السبت، 1 أكتوبر 2016

الممر (2) الجمعة 30 سبتمبر 2016م

الممر: العدد الثاني
نُشر بصحيفة (السوداني)، الجمعة 30 سبتمبر 2016








 (الصُّقع والتونج) لبروفيسور الغالي الحاج محمد سليمان
الخرطوم: الممر
صدر كتاب (مسدار الصقيع والتونج وقصائد دوبيتيّة أخرى) للبروفيسور الغالي الحاج محمد سليمان، بطباعة شخصية للكاتب، في 153 صفحة من القطع المتوسط. قدّم له البروفيسور عوض إبراهيم عوض. ومن تقديمه عن الكتاب نقتطف: (غاص أديبنا البروفيسور الغالي بين المسادير والدوبيت، وهي أرفع ما يُعبِّر به القروي البسيط عن وجدانه الأصيل، وسكب أستاذنا الغالي عصارة خبرته الطويلة في هذا السفر البديع شارحاً لمعاني المسميات وما تُعبِّر عنه. تحدث عن قيمة التراث كعطاءٍ يضمّ الأدب الشعبي والعادات والتقاليد والمعتقدات، والمعارف الشعبيّة الروحية، والرقص والموسيقى والدراما، وغيرها من أشكال التعبير الوجداني التي خلدت من خلال المسدار والدوبيت). سيُعلَن، من خلال أعداد (الممر)، عن حفل تشدين الكتاب في مقبل الأسابيع.






بهنس في بابا كوستا
الخرطوم: الممر
يفتتح يوم غدٍ السبت معرض فريد للفنان التشكيلي والشاعر والكاتب الراحل محمد حسين بهنس. نقرأ في المساحة التالية ما كتبه الشاعر بابكر الوسيلة عن المعرض وتداعياته بصفحته على (فيسبوك) بعنوان (بهنس في "بابا كوستا" يشرب قهوته ويعكّر في المستقبل).
(قال لي وليد إسماعيل حسن إنه حين دخل غرفة بهنس في منزلهم بالثورة الحارة الخامسة، كانت طبقات الغبار تغطي كل شيء. لم يقترب أحد أفراد الأسرة من "المعبد" عشقاً وخوفاً ودمعاً. استأذن وليد -بأدبه المولود به- ودخل. كان يُزيح الغبار ويُخرج لوحةً ثم لوحةً ثم لوحة ثم كتاباً أكل الدهر منه وشرب، ثم كتاباً سالم الأوراق سليم النوايا، ثم قصيدة تآكلت حروفها ثم قصيدة بقيت كاملة اللحن، كأنها تنتظر تحت الغبار المغني. عشرات اللوحات خرجت بلمسات وليد إلى معرض بابا كوستا تنتظر الجمهور في الأيام المقبلة.
الفيلم تدور لقطاته ما زالت بين الأماكن والأصدقاء، فيلم ينجزه أصحاب القلوب الجميلة، أصدقاؤه الذين يُكثرون في التواصلات الدائمة. القصائد التي تتجاذبها خيوط الحياة. المدائح، نعم المدائح النبوية التي كتبها بهنس في حلقاته الأخيرة تنتظر حلقات الذكر تضرب النوبة ضرباً فتَرِنُّ وتئنّ.
الأصدقاء يتداعون في بابا كوستا للجلوس مع بهنس الذي يجلس هناك عصر السبت القادم، نشرب القهوة ونفكِّر معاً في المستقبل.
 






قراءات لصباح سنهوري في ألمانيا
برلين: الممر     
تنظم الجمعية الثقافية الألمانية – النادي السوداني – ضمن برامجها الثقافية يوم غدٍ السبت في السادسة مساءً؛ ندوةً أدبية على شرف زيارة الكاتبة السودانية القاصّة صباح سنهوري إلى ألمانيا، والتي تأتي ضمن سمنار معهد جوته السنوي حول الإدارة الثقافية والتحرير الصحفي الثقافي. الجدير بالذكر أن هذه الدورة ضمت، إلى جانب صباح، الكاتب ورسام الكاركتير السوداني طلال الناير. 


(كلام الصور) بمنتدى دال الثقافي
الممر: الخرطوم
تنظّم مجلة (جسور) في الثامنة من مساء اليوم الجمعة 30 سبتمبر، بالتعاون مع منتدى دال الثقافي، ندوةً بعنوان (كلام الصور) عن جماليات ومعايير التصوير الفوتوغرافي الصحفي. يتحدث فيها المصور الصحفي محمد نور الدين، والتشكيلي والمصور عصام عبد الحفيظ، ويقدّمها الأستاذ فيصل محمد صالح. وذلك بمباني مركز التميّز – مجموعة دال – في شارع الصناعات بكوبر، الخرطوم بحري.




(الموقف الثقافي) ملف يصدر عن صحيفة "الموقف" بجنوب السودان
الممر: وكالات – البعيد
في دفعة جديدة للمشهد الثقافي بدولة جنوب السودان، تزينت صحيفة الموقف العربية الصادرة بجوبا بملف ثقافي من إشراف الكاتب والشاعر أتيم سايمون، والمسرحي الشاب مارتن وده ميان، كمساهمة للتعريف بالمكون الإبداعي والثقافي الثر الذي يتمتع به جنوب السودان. والموقف الثقافي هو مواصلة لملف (تنوع) الذي كان يصدر عن صحيفة المصير -متوقفة الصدور- تحت إشراف أتيم سايمون وموجوك ماثيو، بذات الفلسفة والاتجاهات الرامية إلى تعريف جنوب السودان بنفسه من خلال تكريس ثقافة الحوار وتوثيق رموز الحياة الثقافية بجانب الاحتفاء بالكتابة والكتاب ومساهماتهم. الموقف الثقافي ملف أسبوعي، يصدر كل يوم أربعاء، منفتحة أبوابه نحو كافة المبدعين، ويمكن متابعته على صفحة الملف في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك).


ــــ




رافاييل كورماك يتحدّث عن (كتاب الخرطوم):
الخرطوم مكان متعدّد الأعراق ذو تاريخ مُعقَّد وُضِع ليولِّد حساً قوياً بإخبار القصص
ترجمة: نبأ محيي الدين










مقدمة المحرر:
صدر (كتاب الخرطوم) (The book of Khartoum) في أبريل من العام الحالي 2016م، وهو من تحرير رافاييل كورماك (من بريطانيا) وماكس شوموكلر (من أمريكا)، عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة السودانية من مختلف الأجيال تعكس صورة المدينة. تمت ترجمة النصوص إلى اللغة الإنجليزية وصدر في لندن عن دار (كوما بريس – Comma Press)، حيث شارك في الترجمة كلّ من: ثريا الريس، رافييل كورماك، محمد غالايني، سارة إيرفنج، إليزابيث جاكويتي، كريم جيمس أبوزيد، آندرو ليبير، وماكس شوموكلر. وتُرجمت القصص للكاتبات والكتاب: بشرى الفاضل، عيسى الحلو، علي المك، أحمد الملك، حمور زيادة، عبد العزيز بركة ساكن، بوادر بشير، رانيا مأمون، آرثر غابرييل ياك ومأمون التلب.
في هذا الحوار، والذي خصتنا به في (الممر) الكاتبة والمترجمة نبأ محيي الدين، يتحدث رافاييل عن مراحل تكوين الكتاب وآراء حول الكتابة السودانية عموماً والعمل الثقافي في السودان. يُعتبر هذا الحوار أول ما نُشر عن الكتاب، وقد أنجزته نينا موج لصالح مجلة (The Rumus) يوم 15 يوليو 2016م. يبعث رافاييل من خلال الملف بتحياته للكاتبات والكتاب المشاركين في الكتاب.
حوار: نينا موج
"شموكلر" مترجم وأكاديمي بجامعة كولومبيا، عمل كترجم ومدافع عن حقوق اللاجئين. عمل "كوماك" لصالح المسرحي المصري "علي سليم" وهو حالياً طالب دكتوراة بأدنبرة، حيث يدرس الأدب العربي. يحب كورماك التجول في المكتبات وأكشاك الكتب لاصطياد مواد مثيرة للاهتمام. نشرت "مراجعات الكتب اللندنية" مؤخراً قطعة رائعة لكورماك باكتشافه نسخة موقعة من "إفريقيا يجب أن تتحد" لنيكروما كوامي أحد الاباء المؤسسين في القارة السمراء. تحدثنا أنا وكورماك عبر الهاتف، حيث عرج حديثنا على عملية التحرير ومسؤوليات الترجمة وصولاً إلى القصص ذاتها.
*هل يمكنك إخباري قليلاً عن ناشريك، "كوما برس" وكيف بدأت من أول الأمر بجمع هذه المقتطفات؟.
بدأت عندما كنتُ أعمل على بحث الدكتوراة بمصر، وقررت أنني أريد الذهاب إلى السودان. هنالك قمت برحلة بحثية. ذهبت إلى دار الوثائق والمكتبة الوطنية في جامعة الخرطوم. لم يتغير شيء من هذه الناحية، لكنني قابلت الكثير من الأشخاص المثيرين للاهتمام. يحدث الكثير فيما يتعلق بالأدب في الخرطوم.
ذكرت ذلك لأشخاص قليلين، وسارة إيرفنغ -التي ترجمت إحدى القصص بالمجموعة- خلقت تواصلاً بيني وبين "كوما برس". كانوا راغبين في عمل شيء متعلق عن السودان. وسابقاً قاموا بنشر كتاب جيد عن دارفور، جبل مرة، لكاتبه "ميشيل غرين".
كانوا مهتمين بكُتاب القصص القصيرة السودانيين، وكنت أراسل ماكس "شموكلر" بشأن الأدب السوداني بصورة عامة، لذا قررنا القيام بذلك سوياً.

*وما الذي جاء بك إلى الخرطوم؟

حقيقة، الخرطوم هي السبب وراء دراستي للغة العربية. في العام ٢٠٠٨م، قمت بزيارة أختي هناك، ولم يحدث أن زرتُ بلداً عربياً من قبل. وبعدها بدأت بدراسة اللغة العربية بالجامعة، كنت أحاول أن أجد لغةً مثيرةً للفضول، ولم أكن أعرف كثيراً عن الأدب العربي آنذاك.

*هل يمكننا التحدث عن نوع الاعتبارات التي وَقَفت وراء اختيار هذه القصص؟ هل قرأت القصص أولاً باللغة العربية أم قمت بتكليف مترجمين لاختيار الأعمال؟
عملية جمع النصوص كانت ممتعة للغاية. في الواقع، كان الأمر الأفضل في المسألة برمتها. قمنا بقراءة أعمال حوالي ٤٠ كاتباً. قمنا، أنا وماكس، بتقسيمهم هكذا: "حسناً، أنت اقرأ هذا وأنا سأقرأ ذلك. هل هنالك أي قصص جيدة بحوزتك؟"
*حسناً، إذن تم تقسيمها وفق الكاتب، وليس وفقاً للقصص الفردية؟
أجل. انتهى ذلك إلى كلا الأمرين: الجيد والسيئ. إنه "كتاب الخرطوم" خاصة أنه لا يُدعى -على سبيل المثال- "مختارات من قصص قصيرة سودانية". لذا فإن القصص تحتاج أن تكون على أقل تقدير مبنية في الخرطوم.هذا جيد على جزء أوسع لكنني عنيت أن العديد من القصص التي أُعجبت بها جداً لم يتسنى لي استخدامها. ذلك جعل الأمر أسهل، على كل حال، لاختيار نوع القصص التي يمكننا إدراجها. معيار آخر هو أنها يجب أن تكون قصة أدبية قصيرة.
لوهلة، كنا نضع القصص الشعبية وما يشابهها في الاعتبار. لكنها لم تكن جزءً من العمل. بالإمكان أن يكون مشوقاً تضمينها. لكنه من الصعب جداً تحديد ماهية القصة القصيرة عندما تستغرق فيها. خاصة في الأدب السوداني.
*فكرت في ذلك جيداً، وبصورة خاصة في القصة القصيرة "الممر" لمأمون التلب. أقصد أن ذلك يمكن أن يسمى شعراً وفقاً لمعاييرك؟.

بالضبط. ولهذا السبب أيضاً أردت إدراجهم هناك. شيء يمكنه أن يكون قصة قصيرة ولكنه أيضاً شعري جداً. إنه اختبارٌ للحدود. هذا ما قلته. أعني يبدو أنه متداخل. لكنه حقيقة، صحيح؟
حسناً إذاً، قمت بتقسيم القصص وفيما بعد قرأت كل هذه القصص بالعربية؟
نعم لقد قرأناها باللغة العربية. نسبياً لأنها اللغة التي نعمل عليها. وجميعها كانت باللغة العربية. على سبيل المثال كان بمقدورنا نظرياً تضمين إحدى القصص المكتوبة بالأمهرية، وهي لمهاجر إثيوبي. لكن لم يكن لدينا قناة الوصول لذلك. كان هنالك سؤال وهو: هل يجب علينا تضمين الكتاب الجنوبيين أم لا؟. كان لدينا كاتب جنوبي واحد. شخصياً لم أرغب أن أقول: "حسناً، أعلم أن بلدك انفصل للتو، لكن في ذهني الأمر سيان". ليس بالضرورة أن يكون الجنوبيون راغبون في أن يكونوا جزءً من السودان، لذا المعايير لم تكن بالضرورة عن الكتاب السودانيين، لكن عن الأشخاص الذين يكتبون باللغة العربية عن الخرطوم.
*كيف قمت بجمع القائمة الابتدائية المكونة من أربعين كاتباً؟ هل كانوا أشخاصاً تعرفت عليهم في الخرطوم، أم كانوا أشخاصاً تم ترشيحهم لك؟

نعم كانوا كتاباً نعرفهم. كما طلبنا المساعدة من الكثيرين. نجلاء عثمان التوم ومحفوظ بشرى قاموا بمساعدتنا. وكذلك "إكسافير لفين".
ثم هنالك الكثير من الأعمال المنشورة على الإنترنت. على سبيل المثال "الراكوبة" كانت مصدراً جيداً. هنالك موقع اسمه "سودان للجميع Sudan for all" استخدمناه أيضاً. كذلك ذهبت إلى الخرطوم واشتريت كل مجموعات القصص القصيرة التي استطعت العثور عليها. كما ذهبت إلى المكتبات ومتاجر الكتب في القاهرة.
*لمَ كُنتَ تبحث عن قصصٍ عند تواجدك بالقاهرة؟
بعض الكتاب السودانيين ينشرون هناك. على سبيل المثال: علي المك، وهو كاتب سوداني عظيم، نُشرت مجموعته في القاهرة. كما كان هنالك فعالية تتعلق بالكتاب لطيفة للغاية ذهبت إليها في الخرطوم، اسمها (مفروش).
*لقد سمعت بذلك. هذا أمر كان "مأمون التلب" منخرطاً فيه، صحيح؟ هل كان ذلك بالأساس معرضاً للكتب المستعملة؟

نعم، إنه أشبه بسوق كتاب في ميدان يقع في وسط الخرطوم. يمكن للناس أن يحضروا ويعرضوا كتبهم بطريقة ما. كان مكتظاً حينما ذهبت، كما كان هنالك تدشين مجلة نسائية سودانية. في حقيقة الأمر كان "مفروش" مكاناً ممتعاً للغاية لإيجاد أنواع من الكتب يقرأها الناس وللاطلاع على ما هو رائج. وكان مشوقاً معرفة رأي بائعي الكتب عن الرغبات الشرائية للناس. الكثير من الكتب كانت شبه ممنوعة، ولكن ليست ممنوعة تماماً. وفيما يتعلق بالديموغرافيا كانت الغالبية من الشباب من الجنسين. كان الأمر يحدث ويسير بصورة جيدة.
*هل وضعتَ ترتيبَ القصص في الاعتبار؟ إلى أي مدى كان الترتيب هاماً لديك ولدى ماكس؟
ناشرنا، كوما برس، كان متدخلاً في ذلك. حقيقة يعجبني ترتيب الكتاب. أعتقد أن قصة عيسى الحلو "الطفل الذي يلعبُ بالدمى" هي أنموذج جيد لقصة تَصِف إلى حدٍّ ما كل ما نحاول فعله في هذه المجموعة. أهدافنا مُغَلَّفة في تلك القصة. تلك القصة هي خير مثال للبناء الأدبي. والتي تحترم الإنتاج الفني أو الأدبي الذي يمكن أن يُجَسِّد العالم الحقيقي. وجدت أن هذا "الثيم" موجود في الكثير من القصص القصيرة السودانية التي قرأناها وليس فقط في تلك التي وضعناها في الكتاب. هذا ينعكس في الكتاب ذاته. أتمنى.
من الصعب أن تقدم أي شيء بصورة أدبية وأعتقد أن ما نحاول القيام به هو طرح ذلك السؤال. وإعطاء بعض النماذج لأشخاص يحاولون العمل عبر ذلك.
فيما يتعلق بالترجمات نفسها، كل القصص كانت بالفصحى "العربية المعيارية الحديثة" صحيح؟ هل كانت هنالك أي قصص بالعامية؟
نعم، كل القصص كانت بصورة أساسية بالفصحى، ولكن عدداً منهم تحدث بالعامية. على سبيل المثال قصص رانيا مأمون وعبد العزيز بركة ساكن.عامةً هنالك مستويات مختلفة من الفصحى. القصة التي ترجمتها لعبد العزيز بركة ساكن "ابنة الجزار" كانت بلغة فصحى بسيطة جداً؛ حيث يمكن أن تُوجد لدى مأمون التلب في شكلٍ شعريٍّ عالٍ. قصة بشرى الفاضل تجريبية، وربما يمكنك أن تقولي عنها أنها كُتبت بصورة عالية.
*في الترجمة، كل اختيار للمفردة يمكن أن يُحدث اختلافاً فيما يتعلق بالنمط أو النبرة. كنتُ أتساءل كيف تشعر بالاختلاف عندما تترجم العربية وبعدها تترجم اللغات الأخرى، ربما فيما يتعلق بالقصص التي تحتوي على معايير حديثة ودارجة؟
إذاً أتى في خيار "ما الذي يرغبه المترجم" وما الذي نريده نحن كمحررين، نترك الأمر للمترجم. كل ما في الأمر محاولة لتقديم القصة المترجمة أكثر من اتخاذ الشكل المحدد. أعني، لا أعرف كيف أترجم الاختلافات بين الفصحى والعامية أو التفكير في مدى إمكانية ذلك، ربما جعل الخطاب يبدو خطاباً بصورة أكبر؟
*تقصد للقارئ الإنجليزي لقراءتها وفهمها؟، حسناً، الآن يتحدثون اللغة الدارجة.
نعم. لكنني أعلم على -سبيل المثال- أن ماكس راعى كثيراً في قصته، تلك التي لبشرى الفاضل؛ لقد حاول حقاً أن يجعلها تجريبية باللغة الإنجليزية.
*مثير للاهتمام. أعتقد أنها قطعاً تأتي في السياق.
نعم، أعتقد أنها قصة تجريبية بالعربية. وفقاً للغة، ولذا حاول أن يقدم ذلك الذي هو في تقديري غاية نبيلة للغاية.
بينما كنتُ أقرأ هذا الكتاب كنت أفكر في أنه كيف للمترجمين التصرف في بعض الأحيان كأمناء للمتلقين الذين لا يملكون وصولاً أوسع للأدب باللغة الأصلية. ليس هنالك الكثير من الكتب العربية من السودان تُرجمت للإنجليزية، لذا أنت تصنع مقدمة عن الأدب في الخرطوم في هذه المجموعة. والأشخاص الذين لا يقرأون العربية لا يمكنهم الذهاب وقراءة عدد من القصص غير المترجمة وتخمين عملك. هل كنت على إدراك بذلك النوع من المسؤولية وكيف يبدو ذلك إعضالياً؟
حقيقة إنه أمر فكرت كثيراً فيه.
ليس بالإمكان حصر الكتابة في الخرطوم في ١٠ قصص قصيرة، صحيح؟
طابعي هو أن نضع الشعر في البداية "أربعة مناظر من مدينة" لعلي المك. وهو أمر هام في إجابة ذاك السؤال. السبب وراء رغبتي في الحصول على تلك القصة الشعرية في المتابعة أنها تبدو استهلالية. ليس من الممكن امتلاك مفتاح لمدينة واحدة، إضافة إلى أنني وماكس لسنا من الخرطوم ولسنا سودانيين بطبيعة الحال. هنالك مشهد في هذه القصة أعجب به في الأساس: "تعال وخذ جزءً من مدينتي"، لقد كتب أنه إذا وضعت مفتاحاً في باب المدينة فإنه سينكسر، وحينها ستضطر للعودة مجدداً والحصول على مفتاح آخر. هذا إشكال آخر. أعني أن هذا الكتاب على الأرجح سيبدو مختلفاً جداً لو كتبه شخص آخر وسيُحرر بصورة مختلفة لو قام بتحريره شخص من الخرطوم. كما هنالك سؤال: هل من الممكن اعتبار هذا مشروع استعماراً جديداًَ؟ لا أتمنى ذلك. لكننا لا نريد أن يكف الناس عن الارتباط بالثقافات الأخرى. أعتقد أنه ليس شيئاً سيجيب عليه هذا الكتاب لكنه أمر أفكر فيه كثيراً.
*حسناً إذن. أريد أن أسألك عن مجموعة مجلة (إكسير) ومأمون التلب. أهو ممثل لهذه المجموعة في الكتاب؟
نعم. قُدِّر أن يُمثِّل مجموعة كبيرة من الكتاب المنخرطين في القصص الشعرية أكثر من القصص القصيرة. إنهم يختبرون شكل الكتابة. نسميهم "جيل الإكسير" لأن جميعهم درج على النشر في مجلة تدعى "إكسير" والآن ينشرون على موقع إلكتروني يسمى "البعيد" وهو موقع جيد حقاً.
تفسيري هو أنهم يجددون الأدب العربي بصورةٍ ما. "الثيمات" ذاتها صعبة الوصول قليلاً وأسلوب الكتابة صعب أيضاً. موضوعياً هم على الأغلب خارج العالم أو خارقين، لكنه ليس أمر يشبه المنازل المصطادة، بل أكثر ميتافيزيقيةً.

*إحدى القصص للكاتب "غابريال ياك" "لا يهم، فأنت من هناك" تسلط الضوء على فرد يبحث عن حالة لجوء رسمية.  مثل نوع مفاهيم مأمون التلب للأعضاء فيما ندعوه (جيل إكسير)، كنت أتساءل إذا كانت تلك القصة مُجَسِّدة لسلسلة من القصص حول ذلك "الثيم"؟
هذا صحيح بطريقةٍ ما، إنه مشوق إلى حدٍّ ما لأنها قصة عن لاجئ، ولكن لا يمكن تصوير تجربة اللاجئ في الكتابة فقط.
*هل راودك الشعور بعدم التأكد عندما قرأتها؟. إنني أيضاً وجدت قصة بشرى الفاضل "قصة البنت التي طارت عصافيرها" مشوقة للغاية فيما يختص بالتركيبة الروائية.
تلك القصة هي وجه حقيقي من أوجه الأدب السوداني الحديث. كنت أتحدث من شخص في السودان وعرجنا على القصص الموضوعة في الكتاب. وذكرت هذه القصة حيث كان متحمساً وقال: "أخيراً سيكون هنالك ترجمة لحكاية البنت التي طارت عصافيرها"، بدا متحمساً جداً.
طريقتي في التفكير خلالها أن الكاتب يحاول أن يقدم أفكاراً داخلية لأحدهم. شخص يبدو أنه يحاول التفاعل مع العالم بصورة مختلفة عن أي شخص آخر. في البداية تحدث أنه كيف كان يمشي في الحشد وأنه مسلوب الشخصية. وتفسيري كان أنه يزعج كل أولئك الناس ويعتذر، لكن الطريقة التي ابتدعها كما لو أن هذا الأمر يحدث خارج إرادته. ولهذا السبب الأمر مشوق أيضاً أن هنالك صورة لفتاة في القصة. القصة مرتبطة حقاً بكيفية تقديمك للعالم من خلال الأدب. مثلاً، هنا كيف يمكنك أن تقدم أفكاراً داخلية لرجل وتجربته تجاه العالم، أدبياً؟.
*هل هنالك أي مصادر كتابة على الإنترنت متعلقة بالأدب العربي المترجم قمت باستخدامها أثناء هذا المشروع أو أخرى توصي بها؟
حسناً، هنالك مجلة "بانيبال" الكائنة بلندن. تناولت إصدارتهم الأحدث الأدب السوداني، قاموا حقيقة بإدراج كاتب أحببناه جداً في تلك الإصدارة وهو عبد الغني كرم الله، لكننا لم نستطع إدراج قصصه لأنها لم تكتب في الخرطوم. وتعلمين عن الأدب العربي بطبيعة الحال.
*نعم، إنه رائع. حسناً إذاً، الذائع إنه الكتاب الأول عن القصص القصيرة عن الخرطوم؟.
حسناً، كما يُدعى أن "أول كل شيء هو نفايات". هنالك مقتطف واحد عن قصص قصيرة سودانية تُرجمت إلى الإنجليزية، وتمت ترجمتها ونشرها بلا مقابل مادي بواسطة الحكومة السودانية في سبعينات القرن الماضي. العثور عليها ضرب من المستحيل.
عادة ما يُهمَل السودان في العالم العربي فيما يتعلق بالاختيارات، كما يتم إهماله أيضاً في المقتطفات الأدبية الإفريقية. أعتقد أنه أول كتاب متخصص في القصص القصيرة فقط. التنبيه أنه فقط عن الخرطوم، ليس فقط عن الكتاب السودانيين، القصص المكتوبة بالعربية والمترجمة للإنجليزية.
وأعتقد أن كتاباً عن الخرطوم يجب أن يحوي كُتَّاباً جنوبيين، لأن الكتاب من جنوب السودان يجب أن لا يتم محوهم من تاريخ الخرطوم، وهؤلاء الكتاب يمكن أن لا يطلق عليهم "سودانيين" إذا لم يرغبوا في ذلك.
*لاحظت أن الكثير من القصص هي بالكاد تدعى قصيرة، قصصاً قصيرة. هل كان السبب أن الكثير منها أتت من تقليد شعري أقصر؟
بالطبع لاحظت ذلك أيضاً. قمنا بطباعة الكتاب وأول ما تفكر فيه عند ملاحظته "يا للهول، إنه خفيف للغاية". لكنني أظن أنه يعكس طبيعة القصص القصيرة السودانية، وكيف أنها نتجت عن طابع معين من التقليد الشعري.


 ــــ


بَنَاتُ الجَنُوب
نيالاو حسن آيول*



دوَّارَة رِياح الآلِهة الدافئة حين تمرُّ بمدار شَمْس الاستواء
وترتجُّ ككلمة الرُّوح في الإيقاع الشعري !
اهتزاز المَطَر الناعَمَ الحميم لحفيف حدائق المانجو والأناناس.
صلاة الأبَنوس الخَاشِع للَّوْنِ الشَاهِق!
لسَوادِ اللَّيْل حين يشتعلُ به اللَّهيب!
بَنَاتُ الجَنُوب؛
نسغُ الحياة العميق في يد "نيكانق"
قبَّلهنَّ فكنَّ ماء "السوباط" الهادئ
زهور "الموز" اليانع
ليل خط الاستواء الدافئ..
و"النجوم في ليل بشرتهن لآلئ"
بَنَاتُ الجَنُوب
أُبَّهة أوراق شجيرة "الباباي" الأبدي.
إلفة "النيل" لملامسة الزرافات والغزالات وطير "البقر"
أَسْرَار الفِطْرَة الأُولَى !
السَّماء تُتَمْتِم بسِحْرَهنّ
وتلعنُ كُلَّ من حاول العبث بطَلاسِم الجَمَال البَدَائِيِّ النقي!
______
الإله (نيكانق) وهو الإله الروحي لقبيلة الشلك ومؤسس مملكة "الشلو" وترتبط طقوس تتويج خلفائه بنهرالنيل.
*شاعرة من جنوب السودان


 ــــ
عَتَبة

(مقالات)
المريض الإنجليزي… الحب والذات
محمود المعتصم
 






ليس مفهوماً بالنسبة لي لماذا أحاط النسيان بهذا الفلم: The English Patient أو “المريض الإنجليزي”. كان الفلم قد حصد أكبر عدد من جوائز الأوسكار في تاريخ السينما الأمريكية. هذا بخلاف أن الفلم يمثل رائعة من الروائع الفنية النادرة التي أهدانا إياها القرن الماضي؛ شخصياً شَكَّل الفلم إحدى اللحظات الفارقة في حياتي.. رأيتُ يومها الجمال بذاته.
يتعرض الكونت دي ألماسي لحادث تحطم طائرة كان يقودها فوق صحراء ما في الشرق الأوسط، في خضم الحرب العالمية الأولى. وتدور أحداث الفيلم في داخل سلسلة ذكريات الكونت، الذي أُصيب بحروق شديدة في جسده بأكمَله، بينما يتم ترحيله رفقة قافلة مساعدات طبية. ترافق الكونت الممرضة "هانا" التي تطوَّعت متخلفة عن بقية الفريق لتعتني بالمريض الذي كان من الواضح أنه ينتظر الموت. كل ما تعرفه هانا عن الكونت هو أنه "إنجليزي" وأنه قد فقد الذاكرة والكثير من قدرته على الكلام. ولكنها مع مرور الوقت تكتشف قصة الرجل المُوغلة في الألم عبر مذكرات وُجدت معه. وفي النهاية تقوم هانا بمساعدة الكونت على إنهاء حياته، وتذهب، رفقة رجل هندي "ينتمي لطائفة السيخ"، أحبَّته في هذه الفترة.
كان الكونت ألماسي قد أحب سيدة متزوجة. السيدة كليفتون، زوجة أحد الضباط. والكونت كان قبل تلك "الحادثة" رجلاً عادياً وربما أقل. ربما لذلك اشتهى امرأة رجلٍ متزوج. ويمكن قول نفس الشيء عن السيدة كليفتون. في فلم آخر The Painted Veil "الغطاء المزيّن" ستتعرض صورتنا النمطية للحب "البريء" لصدمةٍ أَشَد: تقبل الفتاة الزواج من الطبيب الذي سيصطحبها إلى الصين فقط لتُرضي عائلتها، وهناك تقع في حب أحد أفراد البعثة البريطانية، الأمر الذي يكتشفه الطبيب فيأخذها في رحلة بلا عودة إلى منطقة موبوءة بالكوليرا عقَاباً لها.. هناك، بين القذارة والموت، تقع الفتاة أخيراً في حب الطبيب، يحبها هو كذلك، ثم يموت بعدها بعدة أيام. سيموت الطبيب، الذي أصبح في طريقه ليكون أباً، ببطء، متعذباً بالجفاف الناتج عن الإصابة بالكوليرا! هنا كذلك فإن "المريض الإنجليزي" هو قصة حب حقيقية بكل بشريتها. يحب ألماسي كليفتون وتحبه كما لم يسبق لأحدهما أن فعل من قبل.
"الوقوع" في الحب هو أن نرغب فيما لا يفيدنا أن نرغب فيه، "أن نمنح ما لا نملكه لمن لا يريده". تتعثر كل محاولات ألماسي وكليفتون لإنجاح المغامرة التي ظهرت في الوقت غير المناسب والمكان غير المناسب. في النهاية يجد ألماسي نفسه مع حبيبته في كهفٍ به نقوش قديمة، ولأن كليفتون كانت قد آذت ساقها كان لابد له أن يتركها في هذا الكهف وحيدة ويذهب طلباً لطائرة تنقلهم. كليفتون ستُترَك وحيدة، عاجزة عن الحركة، لتراقب النقوش على الجدار ولتكتب آخر كلماتها، قبل أن تموت عطشاً، بينما تتعثر كل محاولات الكونت للحاق بالقدر. عندما تحب لا تستطيع أن تترك المساحة بينك وبين "الآخر" كما كانت. هنالك مساحة من اللامبالاة ستختفي، وسيحل محلها شعور بالأبدية.. أبدية "الآخر" المتوحشة (كما يحب سلافوي جيجاك أن يقول عادة).
ولأنه كان لابد للـ"المريض الإنجليزي" أن يظهر نفسه كعملٍ فنيٍّ خالص، فإن تلك الأبدية المتوحشة تجسدت في آخر كلماتٍ كتبتها كاثرين قبل أن تموت:
"عزيزي .. إنني أنتظرك. كم يكون الوقت اليوم في الظلام؟ الأسبوع؟ لقد انطفأت النار الآن، إنني أشعر بالبرد. عليَّ أن أزحف إلى الخارج. لكن هنالك ستوجد الشمس!. أخشى أنني قد أضعتُ ضوء الشموع وأنا أراقب النقوش وأكتب هذه الكلمات.
نحن نموت… إننا نرحل أغنياءً بالأحباء وبالجذور. تلك المذاقات التي ابتلعناها، الأجساد التي دخلناها وطَفَونا عليها كالأنهار، المخاوف التي اختبأنا في جوفها تماماً مثل هذا الكهف المعذب. إنني أريد أن يُطبع كل هذا على جسدي. إننا، نحن، نمثل البلدان الحقيقية، وليست تلك الحدود السخيفة التي تُطبع على الخرائط بأسماء الرجال ذوي القوة. إنني أعلم أنك سوف تأتي، لتحملني خارجاً لأحلق فوق قصر الريح، الذي هو صوت عبور الماء. لقد أردت ذلك دائماً – أن أمشي في مكان كهذا معك، مع الأصدقاء – على أرضٍ بلا خرائط. لقد انطفأت الشمعة الأخيرة وأنا أكتب في الظلام".
تقرأ الممرضة هانا هذه الكلمات بعد أن تعطي مريضها الإنجليزي جرعته الأخيرة الزائدة من المنوم.. وبالفعل ينام هو مع انطفاء الشمعة في الكهف. ما حدث بعدها هو أن ألماسي أخذ كاثرين على متن الطائرة فوق قصر الريح بالفعل، قبل أن يتعرض للحادث الذي أحرق جسده كلَّهُ وتركه بلا ذاكرة ولا صوت. اللهم إلا أبدية كاثرين لتلاحقه. لكن، أليس هذا "المريض الإنجليزي"، هذا الإنسان، شبه الإنسان، المحترق، "اللوحة"، هو "الذات" بكاملها؟
بالنسبة لألينكا زوبانتشيتش فإن الذات (الذات الحرة التي تتخذ القرار الأخلاقي) تظهر نتيجةً لنقصٍ جذري في الفرد، هي عبارة عن شيء سالب، عن "إنقطاع" في منظومة الفرد. لم يكن ألماسي ليعلم أنه سيفقد نفسه بالكامل في دوامة "الآخر"، هذا الحب لم يكن جزءاً من ألماسي. الحب هو نقطة عدم الاكتمال التي وُجدت من العدم. "ليتجاوز الإنسان الخير العادي (الناتج عن الالتزام بالقانون) ليدخل حيِّز الخير الأخلاقي؛ عليه أن يمر بحالة من حالات الولادة من جديد. عليه أن يُخلق من العدم"*. هذا "العدم" داخل الإنسان هو ما يجعل وقوعه في الحب ضدّ كل مصلحة "كيانه" أمراً ممكناً. ولكن، كما تنبهنا ألينكا، فإنه لا يُفهم من ذلك أن "التضحية" هي سر تكوّن الذات. إن هذا الفعل لا يمكن أن يتم عن عمد، لذلك لا يوجد مجال لأن يقع الإنسان في الحب، لا تُوجد تلك اللحظة التي يقرِّر فيها الإنسان أنه سيقع في الحب، يجد الإنسان نفسه قد تورَّط في الحب سلفاً، أي أن النقص موجود سلفاً. هذا الاختفاء للفرد المكتمل وظهور الذات التي يُخلَق في داخلها الحب من العدم هو المشهد الأساسي في الفلم. وحتى لا ينخدع أحد، فإن جمالية الذات هنا، هي كجمالية الأخلاق، تظهر في شكل متوحِّش: رجل مُحتَرق لا يستطيع حتى أن يخاف من الرحيل وقلبه يهيمن عليه حزنٌ أكثر برودةً من الموت.
خُذ مثلا قراءة سلافوي جيجاك للوحة "موت مارات".. بالنسبة لجيجاك فإن سؤال الفنان في اللوحة كان: (كيف يمكن أن ترسم الذات؟. ذات مارات الشهيد. والجماهير الثورية. الجماهير التي تمثل الذات الأخلاقية في أكبر تجلياتها؟) إجابة جيجاك هي أن اللوحة قد أَنجزت ذلك بطريقين: أولاً تم رسم مارات الإنسان، الفرد المكتمل، وهو في لحظة اختفائه. الذات هي الفراغ بين مارات الإنسان الحي ومارات الجثة. أما الناس فقد تجسدوا في الفراغ الأسود الذي تركه الفنان فوق مارات.. وهو فراغ يعبِّر عن أن "الناس" في الثورة الحقَّة هم تلك السلبية الجذرية.. الحرية التي لم تُملأ بأيِّ مكونٍ بعد.. ذلك الظلام المخيف، الذي ترغب في وجوده ولكنك تخشاه، تخشى عدم قدرتك على التنبؤ بما سيفعله، مثلما تشعر وأنت تحدق في السواد داخل عين السيدة الجميلة التي تحبها!
وفي فلسفة سلافوي جيجاك فإن إحدى تعريفات الذات هو أنها تلك السلبية الجذرية التي لم تكتمل بعد. في إحدى مشاهد الفلم "غثيان" للمخرج ألفريد هيتشكوك يظهر وجه بطلة الفيلم مادلين وهو نصف مضيء ونصف مغطى بالسواد. ويظهر الجزء المغطى بالسواد مشوشاً كأنه جزء قد تمَّ حذفه. أو لم يُوجد بعد. جيجاك ينظر لهذا المشهد باعتباره إحدى لحظات ظهور "الذات"؛ حيث يظهر الفرد ناقصاً لم يكتمل بعد. فراغ ما داخل الفرد يجعله مشوشاً وضعيفاً. ولكن ذلك الفراغ هو مساحة الحرية. لذلك فإنك عندما تتعامل مع الذات الحرة فإنك لا يمكن أن تتنبأ بتصرفاتها. هي نفسها ستتفاجأ بأفعالها. ما هو على المحك في هذه النظرية في الذات Theory of the Subject هو أن الذات هي ذلك الشيء غير المكتمل أنطولوجياً. هي شيء "لم يوجد بعد". ولذلك فهو شخص مخيف حتى بالنسبة للفرد نفسه. الكونت ألماسي "الآخر" الذي ظهر بعد "حدث" لقائه المؤسف بكاثرين هو شيء "جديد" لم يُوجد من قبل. لذلك فهو حدث جلل حتى بالنسبة للكونت نفسه. إن هذا النقص الجذري في الإنسان هو مصدر شعور الإنسان بأن في داخله شيء أكبر من نفسه يمكن أن يظهر في أي وقت. ولذلك تحديداً فإنه لا يمكن البحث عن سر التحول الأخلاقي في ماضي الإنسان. ذلك الإنسان المكتمل الذي يجب علينا أن "نفهمه" هو مجرد وهم.
أما بالنسبة لنهاية الفلم فهي تشير إلى إبداعه الأخير: سوف نسمع صوت أبدية كاثرين من فم هانا.. يتقطع المشهد بين هانا وكاثرين حتى تصل هانا للنهاية وكأنها ترفع روح ألماسي إلى السماء مع دموعها. إن التوحش الأخير لكاثرين وألماسي هو أنهما كالأرواح يسكنان الآخرين. ستتحرر هانا عبر تحمل الـ"لا-عادية" غير المحتملة لقصة المريض الإنجليزي، عبر تحمل رؤية "العدم" في داخلها عبر مرآة كاثرين وألماسي. ومن ثم ستبدأ في السير على نفس الطريق: الحب والحياة وكأنها قد تلبستها روح لا نهائية لا تموت.
سوف ترحل هانا على ظهر عربة خشبية رفقة الهندي الذي أحبته عبر مروج الريف الإيطالي. تاركةً خلفها جثة المريض الإنجليزي. كل شيء بعده أصبح مختلفاً. لكنها تستطيع أن تشعر بالسعادة. نحن سنرى السعادة عبر الجمال الطبيعي الذي يحيط بهانا الآن، يمكننا أن نرى السعادة وأن نسمعها وأن نتذوق لذّتها. ولكننا كذلك سنرى، مثل هانا، تفاهة السعادة. يا لها من تفاهة مبهجة!.
 

 ــــ
نافذة

(عرض كتب)
رقصٌ على حرف الرَّويّ
عن قصائد (تحت الحياة فويق الممات) لمُحمَّد مدني
عرض: حاتم الكناني       







يقول الشاعر عبد الله شابو: "إنّ البساطة والعمق في آنٍ هما غاية ما ينشده الشاعر، وذلك ما أراه في نصوص محمد مدني". كان هذا تعليق شابو وهو يطالع ديوان (تحت الحياة فويق الممات) للشاعر محمد محمود الشيخ - الشهير بمحمد مدني - والذي صدر في أغسطس من العام 2015م، من دار توتيل للنشر بتركيا، في (118) صفحة من القطع المتوسط. ضم الكتاب (12) قصيدة طويلة وقصيرة ومتوسطة الطول، تراوحت فترات كتابتها بين منتصف التسعينيات وحتى العقد الأول من الألفية الثالثة.
في قصائد تفعيليَّة، حدَّ أنّها تحتفي بحرف الرَّوي، يُعيد محمد مدني – أريتري الأصل والمولد سوداني المنشأ – البريق لشعر التفعيلة، كما يجلو الغبار عن الراهن والتاريخ، الأشخاص والأماكن، آمال المقاومة والانكسارات، الحكم والأمثال والفلكلور، ويحتفي بجمالية الصورة وكشفها عن العلاقات بين مفردات العالم.
يكتب مدني الموُلود بأريتريا عام 1955م: (سنعود للتاريخ/ كي نتقاسم الأخطاء/ من "مربٍ"/ إلى "مأرب"/ ومن "باضع"/ إلى "يثرب"/ نداري/ سوءة الأتراك/ بالإفرنج/ نركض خلف ماء النيل/ نلبس "شقة"/ فتغار إفريقيا/ وتتركنا/ قذىً في العين/ نهربُ/ من سؤال/ "إلى متى"/ ينفضُّ من حولي/ ركام قبيلتي/ عرباً/ زنوجاً/ بربراً/ تتراً/ يهود؟).
يقول الشاعر بابكر الوسيلة: "إن شعر محمد مدني يتميَّز بالدِّقَّة اللغوية والرصانة والكثافة والصورة الموحية واللمَّاحة". ويذكر الوسيلة أن مدني كما تأثر بالأجواء الثقافية السودانية فإنه أثَّر فيها، إذ كان في مجموعة (تجاوز) في مطالع الثمانينيات التي كانت نواة لقيام اتحاد الكُتّاب السودانيين.
ويضيف الوسيلة: "رغم خُصُوصية مدني الشِّعريَّة، فإنها تخترق أيضاً تجارب شعرية كبرى كتجربة محمود درويش ومحمد المكي إبراهيم".
انتقلت أسرة محمد مدني من أريتريا إلى مدينة واد مدني بوسط السودان، وفيها تشكّلت شاعريته حتى أصبح أحد أهم الأسماء الشعرية في السودان. ولكن هذا الانتقال – كما يقول الروائي الأريتري حجي جابر عن مدني – لم يُنسه أريتريا "إذ سرعان ما التحق الشاعر بجبهة التحرير الأرترية، مقاتلاً بفوهتين غاضبتين: بندقيته وقلمه".
وقد يلمح قارئ قصائد (تحت الحياة فويق الممات)، الحالات السِّياسيَّة والاجتماعية المُتشظِّية لسودان (انفصال الجنوب) وأريتريا (ما بعد الاستقلال)، وهو ما يتجلَّى في إحالاته:
(لا البنات الجميلات يُلهبننا بسياط الغرام/ ولا النابهون/ من الشعراء/ يهزُّون أحزاننا بالذي/ لا مفر/ كفرٌ أو وتر/ لا مفر/ دولةٌ في القمر/ دولتان!!).
وكأننا بإزاء القلق الوجودي لأبي الطيب المتنبي حين يقول: (على قلق كأنَّ الريح تحتي/ أُوجهها جنوباً أو شمالاً)، عندما نقرأ لمدني:
(أنا الريح/ تأخذني الاتجاهات إلى غيرها/ كي أردَّ احتمال المنافي/ إلى الأمكنة/ أنا الريح تأسرني ثنية الكم في ثوبها/ فأغازل أطرافه بالهفيف وبالدوزنة/ أنا الريح/ لا أعرف الالتجاء/ إلى ركن بيت/ تراني هناك/ كَما قد تَراني هنا).
كَمَا يبدو سُؤال الاتجاهات نفسه سؤالاً شائكاً ومحنةً شاعرية:
(سنختطُّ أغنية/ شرق هذي الكتابة (...)/ فالغناء على شرق هذي الحروف طروب/ سنعزف مقطوعة للبنات الـ../ فالبنات على غرب هذا النشيد جنوب).
يرقص محمد مدني وقارئه في حفل (الحياة/ الموت) الأبدي، في إثارة لاحتقان الراهن وهجس الذاكرة، ويرقصُ معهما الألمُ، الانكساراتُ، الحلمُ، ترقص الكلماتُ التي انسكبت من دم الشاعر وطحينه اليومي.
ضمت القصائد: (حقلها من هنا بيدري من هناك/ سوف يسرق من نومها/ أركويت القلب/ قتيل يشيّع/ زهرة الأسفلت/ أبجد/ عندما يرقص الذبيح/ تحقيق مع القتيل/ تحت الحياة/ وجهة مائعة/ في الجبة شيءٌ آخر/ ولكنه وطني).
يُذكر أنّ الديوان هو الثاني للشاعر بعد صدور ديوانه الأول (نافذة لا تُغري الشمس) في بدايات الألفية الثالثة.
ــــ

باب

(ترجمات سودانية)
إعداد مُحمّد بابكر
مقدمة المحرر:
تاج الدين مُحمّد مترجم وكاتب مُقيم في الخرطوم، تخرج في جامعة الخرطوم كلية الآداب قسم اللغة الألمانية، له العديد من الترجمات باللغتين الإنجليزية والألمانية منشورة في مدونته (فصل في الجحيم)، كما نَشَر في العديد من المجلات الثقافية، ونحن نتقدم بالباب الثاني في ممرنا الثقافي نسعد بتقديمه لكم في ترجمة تُنشر لأول مرة.
  





رادي
فولفغانغ بورشيرت
ترجمة عن الألمانية: تاج الدين مُحمّد
كان رادي مساء اليوم معي، أشقرَ كما هو دوماً كذلك، ضاحكاً، بوجهه العريض الناعم، وقد كَانت عيناه - كما عَهِدتها دوماً - تعتريها الرهبة واللا طمأنينة، وكذلك كانت هناك بعض الشعيرات الشقراء التي بَدَت تنمو على ذقنه.
كل شيء كما هو تماماً.
قلت: أنت ميِّتٌ بالتأكيد!
ـ أجل، ولكن أرجوك لا تضحك! قال مجيباً.
ـ وعلامَ ينبغي عليَّ أن أضحك؟
ـ لقد كنتم تضحكون عليَّ دائماً، أنا أعرف ذلك جيداً، في طريقنا إلى المدرسة؛ كان شكل قدماي مُضحكاً، وحينما كنتُ أتحدّثُ مع كل الفتيات، حتى اللائي لا أعرفهنّ، كنتم تضحكون من كل هذه الأشياء، ولأنّني كنت قلقاً بعض الشيء على الدوام، أعرف ذلك جيداً.
ـ هل كنتَ ميِّتاً لمدة طويلة؟ سألته.
ـ كلا، إطلاقاً... لم يتمكّنوا من وضعي على الأرض كما ينبغي فسقطت في الشتاء، كُل شيء كان مُتجمِّداً، كُل شيء كان قويّاً مثل الصخر.
ـ إذاً سقطت في روسيا. أليس كذلك؟
ـ نعم، لقد كان ذلك الشتاء الأول. لا تضحك فحسب! إنه ليس بالأمر اللطيف أن تلقى حتفك في روسيا. كل شيء بدا غريباً بالنسبة لي في روسيا؛ الأشجار غريبة وحزينة، لقد كان معظمها من فصيلة الغار، حيث كنتُ أرقد كانت هناك شجرة غار صاخبة وحزينة. أمّا الحجارة فقد كانت تتأوَّه أحياناً، لأنها حجارة روسية فقد كانت تئنُ. والغابات بدورها كانت تئنُ ليلاً، ﻷنها أشجار روسية على اﻷرجح. ويئنُ الجليد أيضاً، لأنه جليدٌ روسي. أجل، كُل شيء بدا غريباً، غريباً جداً.
لقد كان رادي يجلسُ على حافة سريري صامتاً. قلت له: ربما تبدو لك اﻷشياء هكذا ﻷنّه كان يتوجّب عليك أن تموت هناك.
نظرَ في وجهي قائلاً: هل تعتقد ذلك؟ كلا، أنت تعتقد ذلك. كُل شيء يبدو غريباً على نحو مريع. كُل شيء.
نظر إلى ركبتيه وقال: كُل شيء غريب حتى أنا أبدو غريباً... حتى أنا!.
أجل. أرجوك لا تضحك. أنت السبب في قدومي الليلة، أريد التحدث معك.
معي؟!
- نعم معك. أرجوك لا تضحك! معك على وجه الخصوص. أنت تعرفني جيداً أليس كذلك؟
- لقد كنت أعتقدُ ذلك على الدوام.
- ليس مهماً. أنت تعرفني جيداً، أعني أنت تعرف كيف تبدو هيئتي لا أعني من أكون! تعرفني أليس كذلك؟
- أجل، أشقر ذو وجهٍ ممتلئ.
- كلا، قُل وجه ناعم! أنا أعرف أن وجهي ناعم.
- أجل، لديك وجهٌ ناعمٌ وعريضٌ وقد كنا نضحك عليك بسبب ذلك على الدوام.
- أجل، كيف كانت عيناي؟
- لقد كانت تبدو غريبة وحزينة.
- كلا، لا ينبغي عليك أن تَكذِب. لقد كانت عيناي قلقة وغير مُطمئنة ﻷنني لم أكن أدري إذا ما كنتم ستصدقون كُل ما كنتُ أخبركم به عن تلكم الفتيات حينها. هل كان وجهي ناعماً على الدوام؟
- كلا، لم يكن كذلك. لقد كانت لديك بعض الشعيرات الشقراء على ذقنك، لقد كنتَ تعتقد أن ليس بإمكان أيِّ شَخص رؤيتها، ولكننا كنا نراها، ونضحك... نضحك.
كان رادي جالساً على حَافّة السرير فقام بفرك يديه على ركبتيه وقال: أجل. لقد كنتُ أبدو كذلك بالضبط. ومن ثَمّ نظر إليَّ فجأةً بعينيه القلقتين: أرجوك أسدِ لي معروفاً!! لا تضحك!! تَعَال معي!
- إلى روسيا؟!
- أسرع! فقط لبرهةٍ من الوقت... ﻷنّك تعرفني جَيِّداً.
أمسك بيدي وقد كَانت يده باردةً جداً كالجليد، هشَّة وخَفِيفة.
كُنّا نقف بين شجرتي غار، وقد كان هناك شئٌ خفيفٌ ملقىٌّ على اﻷرض.
- "تعال، هُنا حيث أرقد أنا" قال رادي.
لقد رأيت جُمجُمة بشرية مثل التي أعرفها من أيام المدرسة، وبجانبها قطعةٌ من المعدن.
قال رادي: هذه خوزتي الحديدية، لقد أصبَحَت صدئةً بالكامل ومَليئة بالطحالب.
أشار رادي بأصبعه نحو الجُمجُمة وقال: رجاءً لا تضحك! هَذا أنَا. هل يُمكنك أن تفهم ذلك؟! أنت تعرفني جيداً. قُلْ لنفسك!! هل يُمكن أن أكونَ هذا؟! أنت تعرف! ألا تجد ذلك غريباً بشكلٍ مُريعٍ؟! هذا غير مألوف بالنسبة لي. لا يُمكن ﻷيّ شخصٍ أن يتعرَّف عليَّ بعد اﻵن، لكن هذا أنا... يتوجّب عليَّ أن أقول ذلك ولكنني لا أفهم ذلك. الأمر يبدو غريباً على نَحوٍ مُريعٍ. كل ما كنته من قبل ليس له أدنى علاقةٍ بما أنَا عليه الآن. أرجوك لا تَضحك!! ولكن اﻷمر كله يبدو غريباً بالنسبة لي. غامضاً. بعيداً.
جلس رادي على اﻷرض المُظلِمة ونظرَ لنفسه بأسىً.
ـــ هذا ليس له أدنى عَلاقة بما كان عليه من قبل. لا شيء.. لا شيء على الإطلاق.
بعدها رفع رادي شيئاً ما من اﻷرض المظلمة بأطراف أصابعه، رفع الشيء عالياً ومن ثَمّ بدأ بشَمِّه.
"غريبٌ غريبٌ جداً" قال رادي هامساً ومدَّ لي حفنةَ التراب، لقد كَانت مثل الجليد، مثل يَدِه التي أمسكني بها. باردة جداً، هشَّة وخفيفة جداً.
"شُمّها!!" قال رادي.
فقمت باستنشاقها بعمقٍ ومن ثم قلت: تربة.
- وماذا؟ قال رادي.
- حامضة قليلاً ومُرَّة بعض الشيء، تربة مثالية.
- لكنها غريبة، غريبة جداً ومُثيرة للاشمئزاز مع ذلك، أليس كذلك؟
استنشقت التربة بعمق، كانت باردة، هشَّة وخفيفة.
 حامضة قليلاً ومُرَّة بعض الشيء.
- "رائحتها طَيبة مثل التربة" قلت.
- أليست غريبة ومُثيرة للاشمئزاز؟!
قال رادي مُتسائلاً وهو ينظر إليّ بعينيه القلقتين:
- رائحتها مُثيرة للاشمئزاز.
- كلا، كل تربة تفوح منها نفس الرائحة.
- كلها تفوح منها مثل هذه الرائحة؟! قال رادي مُتسائلاً.
- أجل، كلها
استَنشَقَ بعمق وحَشَر أنفه في يده المليئة بحفنة التراب، بدأ بشَمِّها، ثُمّ نظر بناحيتي:
أنت مُحق، إنّ رائحتها ربما تكون جيدة ولكن تبدو غريبة مع ذلك، عندما أفكِّر أنّه أنا الذي يرقد هناك.
جلس رادي على اﻷرض، بدأ بشم التراب وقد نسي وجودي معه واستمر في شَمّ التراب، ولكنه بدأ باستخدام كلمة "غريب" على نحوٍ أقل.
عندما عُدتُ إلى البيت على أمشاطي كانت عقارب الساعة تُشير إلى الخامسة والنصف صباحاً. لقد بَدَت التربة واضحةً من خلال الجليد، وكانت بَاردةً، هشَّة وخَفيفةً، ذات رائحة فوَّاحة. تَوقّفت، وأخذت نَفَسَاً عَميقاً: إنّ رائحتها طيبة يا رادي... قلتُ هامساً، إنّ رائحتها طيبة حقاً... تربة مثالية... يُمكنك أن ترقد بسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق