تنقيب الظلام
مأمون التلب
الممر
eltlib@gmail.com
كُتبَ
هذا النص المعنون بالـ(ممر) في العام 2004م، ذات العام الذي بدأت فيها أولى خطواتي
في مجال التحرير الثقافي الصحفي، وفي هذه الصحيفة (السوداني) لأتدرَّب لمدّةٍ ثم أعملُ
محرراً بالقسم الثقافي تحت خبرة الشاعر السوداني الكبير الصادق الرضي الذي أسس
القسم وقتها. بدأ الملف يوم الجمعة ضمن العدد الأسبوعي الذي كان يُشرف عليه
أستاذنا الجنرال أحمد طه، بين مجموعة كبير عزيزة من الزميلات وزملاء المهنة تعلّمت
التحرير. أما (الممر)* فقد أوجَد فكرة اسم هذا الملف، بل أنه يعبّر عن حالٍ ماثلٍ
اليوم، وعن ما يجول بخاطري، بل ربما يكون مُفتاحاً جيّداً لتأويل اسم ملف. إذاً
أنشره في هذه المساحة بمثابة افتتاحيّة لعودة زاوية (تنقيب الظلام):
[دائريٌّ
كالعالم، مُجَوَّفٌ أيضاً، وكلُّ خَطْوَةٍ تُخْطَى عَلَيهِ لَهَا دَوِيُّ قُنْبُلَةٍ
خَائِنٌ، دَوِيٌّ لا تَحِدُّه الـمَـسَافَاتُ والجُّدرانُ السَّمِيكة، وعلى هذا تُطبعُ
حَالَتُكَ الدَّائِمَة: أَصَابِعُكَ فِي أُذنيكَ. هَكَذَا كُنتُ أنا، لا أدري ما هو
حالُ البَّقِيةِ؛ مِنْهم مَن يَضَعُ أصابِعَهُ، ومنْهُم مَن هُوَ لا يَسْمعُ أسَاسَاً
صوتَ الخطواتِ الصَّاخِبَ المحتومَ، أسْتَغْرِبُ تَمَامَاً مِن هَذه الأوضاع!!، أليسَتْ
حَوَاسُّنا بِنَفْسِ الحسَاسِية والإستجابة؟، ألا يبصرونَ مَا يَحْدث حَولهم؟ الغريب
جداً أن تجدَ أحدَهم يُنكرُ وجودَه في مَمَرٍّ ويَدَّعِي أنه يسيرُ في مساحاتٍ غير
محدودةٍ وبدون سياجٍ وبحُرِّيَّةٍ كاملة، مع أنني أراه يدور في نفس المكان، يذهبُ إلى
بدايةِ الممرِّ ويعود إلى نهايته بالطولِ والعرض وبحركة نمطية فجّة.
رأيتُ
أنواعَ الكائناتِ والتصرفاتِ والتجاربِ المريعة، رأيت من يُذبَحُ على مساطبَ مصنوعةٍ
من الذهبِ الخالصِ وهو مبتسمٌ ومستسلمٌ لمصيره، يأتي رجالٌ ونساءٌ يحملون أقلاماً خاليةً
من الحبرِ ويغمسونها في دمِهِ الطازجِ الحارِّ ثم يُهْرَعُون إلى الأَمَاكِنِ الأَكْثَر
ظَلاماً ويَبْدَأُونَ الكِتَابة، بِجَانِبِ كُلٍّ مِنْهُم ارْتَصَّتْ آلافُ الكُتُبِ
تُلَوِّثُ أطْرَافَهَا دِمَاءٌ. رَأَيتُ مَنْ يُحَاوِلُ تَقْلِيْدَ الْجُدْرَانِ فَلا
يَسْتَطِيعْ، يُحَاوِلُ تَقْلِيدَ الطَّبِيعةِ الْمُتَنَاثِرَةِ من حَوْلهِ فَيَفْشَلُ
بِقُوَّة بُعْدِهِ، يُحَاوِلُ أَنْ يُقَلِّدَ الرَّاحَةَ والْهُدوءَ فَيُدْرِكُهُ التَّعَبُ
والهَمّ، يُقَلِّدَ الماءَ في صفاتِهِ فيدركُهُ اللَّوْنُ والطعمُ، يقلِّدُ النَّارَ
في اشْتِعَالِهَا فَيُدْرِكُه الرَّمَادُ. يُخْفِقُ في كلِّ هذا فَيُحَاوِلُ أنْ يُقَلِّدَ سُكَّانَ الْمَمَرِّ
فَيَنْجَحْ، ولكِنَّهُ لا يَطْمَئنُّ لِلنَتَائِج، فَيُعِيدُ الْمُحَاوَلاتِ مَعَ بَعْضِ
التَّغْيِيراتِ الطَّفِيْفَةِ. رَأَيتُ العُشَّاقَ يَنْتَحِرُونَ وَاحِداً وَاحِداً
دُونَ أنْ يَنْتَبِهَ لَهُم أَحَدْ. رَأَيْتُ الشُّعَرَاءَ يَحْمِلُونَ مَكَانِسََهُم
اللغويَّةِ فِي مُحَاولةٍ لِكَنْسِ خَرَابَهُم الَّذِي أَصْبَحَ هَوَاءاً يَتَنَفَّسُهُ
الجميعُ وهُمْ يَعْرِفُونَ سَلامةَ الإسْتِحَالة
وجَمَالها؛ فَيَغْرَقُون في الظَّلامِ كالظَّلام. رَأَيتُ الكَهَنَةَ يَجْتَمِعُونَ
لِيَتَآمَروا عَلَى أَنْفُسِهِم ليَأتُوا فِي آَخِر اللَّيلِ حَامِلِينَ خَنَاجِرَهُم
لِيَجْتَمِعُوا اجْتِمَاعَاً آخرَ ليَكُونَ (العملُ محلَّ القول)، وعندما تنفدُ الرِّقَابُ
تبقَى رقبةٌ واحدةٌ وتحاول أن تجتمعَ مع البقيَّةِ في محاولةٍ لتَحْرِيقِ عِنَادِ جُدْرَانِ
الْمَمَرِّ بآيَاتٍ بَاكِيَةٍ مِن خُشُونَةِ أَصْوَاتِهِمْ. رَأَيتُ النِّسَاءَ فِي
أَقْفَاصِ الإتِّهَام، يتَّهِمْنَ القُضْبَانَ وَيَتَعَارَكْنَ مَعَهَا دُوْنَ مُلاحظةٍ
لِمَا يَدُورُ بِذِهْنِ القَاضِي من طُيُورٍ مَحْرُوسَةٍ بِيَأْسِهَا، القاضي الَّذِي
يُحَاوِلُ بِمَطْرَقَتِهِ الخَفيَّةِ أَنْ يَلْفِتَ الإنتباهَ حتى يصرخُ الهواءُ متألِّماً.
رَأَيْتُ السُّيُوفَ تَجْلِسُ عَلَى العُرُوشِ، وَالعُقُولَ تَدُورُ حَوْلَ القُصُورِ
فِي مُحَاوَلَةٍ للكَشْفِ عَنْ بِدَايَةِ الدَّائِرةِ ونِهَايَتِهَا. والقُلُوبَ تَبْحَثُ
عَنْ قُبُورِهَا باسْتِعْجَالٍ وشَرَاهَة.
الْحَكِيمُ
الْمَصْلُوبُ عَلَى لَوْحَةٍ فِي جِدَارِ الممرِّ، مَرْسُومٌ بِدِقِّةٍ جَارِحَة، نِصْفُ
جَسَدِهِ أَبْيَض، والنِّصْفُ الآخر أسود، مِن اللونِ الأبيض يشعُّ ظلامٌ كثيفٌ، مِنَ
اللَّونِ الأسودِ كَانَ الضوء يُعْلِنُ عَن دَرْبِ نَجَاةٍ مُخِيف. لِلوهلةِ الأولى
خُيِّلَ لي أنه ينادِي عليّ، مشيتُ نحوه بخطىً راجفةٍ ولا زلتُ أضَعُ أصابعي عِنْدَ
مَدَاخِلِ الصَّوتِ. قال: (إبْعِدْ أصَابِعَكَ عن مَكَانِهِمَا)، قَالها بنظراتِهِ.
أنزلتُهُمَا بِبُطءٍ، وتَحَمَّلْتُ الضَّجِيْجَ الأوَّلَ.
بعدَ
سنواتٍ من هذه الحادثة، رأيتُ الناسَ في آخرِ الْمَمَرِّ يُحاسَبُونَ في خَيَالِهم
ويُوزَّعُون بين جحيمٍ وجنة، وكانت الحروبُ والمؤامراتُ تَتَسامَرُ بِضَحِكٍ طَاهِرٍ
فِي أوَّلِ الْمَمَر، وأدركتُ أنَّ جميعَ الكائناتِ تَتَكَوَّمُ في الأطرافِ، وأنَّ
القليلَ، القليلَ، هُوَ مَنْ يَسْكنُ الْمُنْتَصَف، قُلتُ هَذَا مَكَانِي.
أصبحتُ
شَخْصَاً يَجْلُسُ في مكانٍ مظلمٍ، حاملاً سِحريَ الصَّدِيق، أُحَدِّقُ فِيهِ هُو،
ولا أَهْتَمُّ بالهَدَفْ، لأنني مَعَهُ هُو، الآن، ليسَ غداً، ليسَ بالأمسِ، جَالِساً
في هذا الفضاءِ الحائرِ في محاولةٍ مستميتةٍ للتعرُّفِ (لأوَّلِ مرةٍ) على هذا الكائنِ
الْمُسَمَّى سحراً، بينما يُقَهْقِهُ الْمَمَرُّ بِصَوتٍ عَالٍٍ،. دُونَ أنْ يَسْمَعَهُ
أَحَدٌ سوانا، نحنُ الواقفونَ في مُنْتَصَفِ
الْمَمَر.
نحنُ
الآنَ في مُنْتَصفِ الْمَمَرّ.
ــــــ
*نُشر
النص هذا العام ضمن أنطولوجيا أدب سوداني في لندن، مُترجماً إلى اللغة
الإنجليزيّة، والتي جاءَت بعنوان (كتاب الخرطوم) (The Book Of Khartoum) مع مجموعة من الكاتبات والكتاب السودانيين، ننشر حواراً مترجماً
مع محرري هذا الكتاب في الأسابيع المقبلة.
ــــــ
ضمَّت
ملفَّاً ضخماً عن الكتابة السوادنية الجديدة
صدور العدد
السابع من فصلية (كتاب الشاعر)
الممر: الخرطوم
صدر العدد
السابع من الإصدارة الفصلية (كتاب الشاعر)، عن دار بورصة للكتب بمصر، وهي إصدارة
فصلية يترأس تحريرها الكاتب والشاعر التونسي نصر سامي. الكتاب يصدر في شكل مجلة
فصلية مُحكمة في 400 صفحة،
بمشاركة 50 كاتباً من العالم العربي. يحتوي العدد على ملف للكتابة الشعرية
والسردية الجديدة في السودان، من إعداد الكاتبين المغيرة حسين وحاتم الكناني. جديرٌ
بالذكر أن نُسخاً محدودةً تُعرض بمكتبة (الوراقين) الثقافيّة، على أن تأتي بقيّة
النسخ ضمن فعاليات معرض الخرطوم للكتاب الشهر المقبل لمشاركة الناشر في المعرض.
نُشِرَ في
الملف لـ: إبراهيم إسحق –محمد الصادق الحاج –عادل القصاص –عبد الغني كرم الله –الفاضل كباشي –أحمد مبارك آدم –الهادي علي
راضي –حاتم
الشبلي –منصور الصُويّم –معاوية محمد الحسن –أحمد أبو حازم –ياسر فائز –عبد المنعم حسن محمود –حسام هلالي –محجوب كبلو –بابكر الوسيلة
سر الختم - أنس مصطفى –مكي أحمد –محفوظ بشرى –عبد الرحيم حسن حمد النيل –أتيم
سايمون - مصعب الرمادي –محمد
حسين - هاشم يوسف –إبراهيم البِكري –ياسر الغالي - مأمون التلب –عادل سعد يوسف – كتاب الفجيعة/ محمد
أحمد الفاضل –أحمد النشادر –حسام الكتيابي –نجلاء عثمان التوم –خالد حسن عثمان. بالإضافة إلى
مشاركات مختلفة في الترجمة والنقد والسرديات والشعريات. يقول الكاتبان المغيرة
حسين وحاتم الكناني في تقديمهما لملف الكتابة الجديدة في السودان: "نحن هنا
نفهم أن (الكتابة الجديدة) هي تلك الكتابة التي تنأى بنفسها، قدر المستطاع، من
الوقوع في حبائل وإغراء كتابات أخرى. كتابة تنقح ذاتها وتقدم تجربتها. كتابة مغامرة وتخرق مركب الزمن بحثاً عن العيش الأبدي.
كتابة مشتعلة لا تنطفئ، حرة لا تعترف بأفق أو بمدى. كتابة الإنسان للإنسان (…)
وبكلمة واحدة: كتابة تكره الموت وتحتفي/ تمجد الحياة".
يقول رئيس
التحرير نصر سامي في كلمته: “أخيراً يتحقّق حلم أسرة الشّاعر، وننتقل نقلة جغرافية
أخرى، بحثاً عن تواصل أفضل مع قرائنا، من تونس إلى سورية إلى مصر، رحلة قصيرة
أصدرنا خلالها سبعة أعداد، تغير فيها الكتاب من مجرّد كتاب ثقافي إلى كتاب ثقافي
محكّم، ثم قرّرنا الانتقال إلى مجلّة محكّمة في سلسلة جديدة، معتبرين أنّ صدور هذا
العدد الأول في مصر والسابع فعليا، هو بداية جديدة للشّاعر باعتباره مجلّة تتوجّه
أساساً إلى الباحثين الجدد بين مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وغيرهم من الباحثين
في جميع مجالات المعرفة. كما تفتح أبوابها لجميع المبدعين في كل مجالات الكتابة
شعرا ونثرا، وتبحث عن نصوص تجريبيّة تؤسّس لكتابة مختلفة".
ــــــ
انطلقت
فعالياته يوم أمس
أسبوع
المقرن الفوتوغرافي: ما بين السودان وإفريقيا وأوربا
الممر:
الخرطوم
انطلقت
يوم أمس الخميس 22 سبتمبر، بمباني متحف السودان القومي، فعاليات (أسبوع المقرن
للتصوير الفوتوغرافي)، بتنظيم من معهد جوته – الخرطوم، و(مجموعة المصوّرين
السودانيين). وهي النسخة الثالثة من المهرجان. حيث درج المعهد خلال الأعوام
الماضية، وهذا العام، على دعوة مصوّرين محترفين من أنحاء العالم – مثل أندريه لوتزن
(هامبورج) ميشيل لوكيدس من (جوهانسبيرج)- ليعملوا كمدربين ومشرفين على العديد من ورش
العمل في مجال التصوير الفتوغرافي. وقد ساعد هؤلاء في الإشراف على مجموعة من القصص
المصورة التي عكست الحياة في الخرطوم.
وقد حملت
نتائج هذه الورش اسم "أوقات معاصرة" الذي تمَّ افتتاحه يوم أمس 22 سبتمبر
2016م، حيث يحتوي المعرض على 120 صورة فوتوغرافية عن طريق 18 مصور فوتوغرافي سوداني،
وذلك في متحف السودان القومي.
بينما
ينتظم المعرض الثاني بمباني المركز الثقافي الفرنسي؛ حيث يخصص هذه السنة لأعمال ثلاثة
مصورين محترفين، وهم أندريه لوتزن من ألمانيا، ميشيل لوكيدس من جنوب إفريقيا وعلاء
خير من السودان. سيقومون بعرض صورهم الفوتوغرافية التي تحمل أفكارهم وآراءهم الحالية
عن العاصمة السودانية، ونظرتهم للحياة والمساحات العامة في الخرطوم.
ويتوسّع
المهرجان هذا العام ليستقبل زيارات من مصورين محترفين من دولٍ إفريقية الى الخرطوم،
وذلك لخلق شبكة من المصورين الأفارقة والعالميين؛ إذ قام معهد جوته في جنوب إفريقيا
بدعوة 9 مصورين فوتوغرافين من عدة دول إفريقيا منها: مالي، غانا، نيجيريا والكنغو،
وذلك للانخراط في ورشة عمل المحترفين، وسيقومون بملاقاة ثلاثة مصورين سودانيين ليناقشوا
معهم آراءهم عن الحياة في إفريقيا، تحت إشراف منسقين من فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، مالي
ويوغندا. جميع هؤلاء معاً لأول مرة -موهوبون ومحترفون- في أسبوع المقرن الفوتوغرافي
2016م، وسيقومون بعرض صورهم لعامة الجمهور لاستكشاف الذائقة الفنية للتصوير الإبداعي
في السودان.
و(مجموعة
المصورين السودانيين) هي شبكة تتكون من مئات الأعضاء الموهوبين، حيث ينشرون
أعمالهم المتعلقة بجميع سبل الحياة في السودان، ينشرونها يومياً على (فيسبوك) و(إنستغرام)
ومنصات أخرى متنوعة.
ــــــ
صدور
الأتبراوية وسفر الموت لعادل سعد يوسف
الممر:
الخرطوم
صدر
للشاعر والروائي عادل سعد يوسف كتابان (الأتبراويةُ: كهرمانُ الحجاجِ الأنيقِ).. (سِفرُ
الموتِ.. حالاتُ حاملِ التابوتِ). يذكر أن عادل حاز من قبل على جائزة الطيب صالح
بمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي عن رواية (أتبرا خاصرة النهار). وله عدد كبير من
الأعمال الشعرية والسردية والمسرحية غير المنشورة.
ــــــ
ديوان جديد
للشاعر كجراي
الممر:
الخرطوم
صدر ديوان
شعر جديد لم يُنشر من قبل للشاعر الراحل محمد عثمان كجراي، وجاء عنوان الديوان:
(أنفاس البنفسج) في 83 صفحة من القطع المتوسّط، وحوى 29 قصيدة للشاعر، وبتقديم
الكاتب الدكتور عبد القادر الرفاعي. الجدير بالذكر أن الديوان طُبع بمبادرة من
أسرة الشاعر وتحت إشرافها.
ــــــ
إصدارات جديدة
من (رفيقي للنشر والطباعة)
الممر:
وكالات – البعيد الإلكترونية
صدرت عن دار
رفيقي للنشر والطباعة بجنوب السودان مجموعة من الكتب في طبعات أنيقة ومشذبة، أبرزها كتاب جديد للدكتور جون قاي يوه بعنوان (مخاطر بناء
الأمة، ترجمة للعربية محمد علي جادين)، وكتاب من القطع المتوسط بالإنجليزية للقاصة
استيلا قايتانو بعنوان (الطائر الجميل المتواضع)، وهي كتابة جديدة في أدب الأطفال،
ترجمه للإنجليزية الروائي آرثر قبريال ياك، ووضع رسومه الداخلية الفنان التشكيلي الدكتور
حسن موسى.
وكانت دار رفيقي،
قد أصدرت مجموعة أولى من الكتب في العام 2012، ضمت أعمالاً أدبية لكتاب من السودان
وجنوب السودان، من بينهم ” استيلا قايتانو، سارة الجاك، منجد باخوس “.
إلى جانب الكتابين
الصادرين في طبعتهما الأولى لقاي وقايتانو، قامت دار رفيقي بإعادة طبع المجموعة الثلاثية
من كتب الدكتور جون قاي بعد التنقيح والمراجعة
(تاريخ الفكر السياسي في جنوب السودان، ثورة في جبال الاستوائية، وجنوب السودان
آفاق وتحديات)، التي كانت قد صدرت في طبعتها الثانية عن دار عزة السودان للطباعة والنشر
في العام 2005.
وبالنسبة لرفيقي
للطباعة والنشر فهي دار وطنية سجلت في مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، وبدأت أولي إصداراتها
بإصدار صحيفة إعلانية متخصصة توقفت فيما بعد، لكنها في العام 2012م عادوت نشاطها مجدداً
في مجال نشر الكتب والمجلات لكتاب من جنوب السودان وغيرهم من الكتاب، كنوع من التأسيس
وتشجيع الإنتاج الأدبي والثقافي في سائر ضروب الكتابة وصنوفها المختلفة وبجميع اللغات.
ويُنتظر أن
يتم تدشين مجموعة الإصدارات الجديدة قريباً في جوبا تمهيداً لطرحها للقراء والمستفيدين
بالمكتبات والمعارض في جنوب السودان وخارجه.
ــــــ
ختام معرض
الفنان عثمان وقيع الله
الخرطوم:
الممر
يختتم
نهاية الشهر الجاري المعرض التشكيلي للفنان العالمي عثمان وقيع الله، والذي نظّمه
المركز الثقافي الفرنسي، وعُرضت فيه مجموعة كبيرة من أعمالٍ تُعرض في السودان لأول
مرة، ويعتبر هذا العرض هو الثاني بعد وفاة الفنان والذي كان في العام 2006م. الدعوة
موجهة للجمهور لعدم تفويت هذا العرض النادر.
ــــــ
نصوص*
نجلاء عثمان التوم
(1)
السلامة خضم،
النجاة إنذار.
(2)
الحكمة المبذولة مغلقة.
(3)
الخيال لا يعض، الخيال ينزف مادته الأصيلة المؤلمة التي ما أن ترانا تصاب
بالأسنان.
(4)
أعرف الهواء، أعرفه من الداخل، ويعرفني الهواء، من الداخل، انا الرئة، انا
عين المطلق.
(5)
القبر جرح مكشوف يتماثل بالجثامين. لكن، ألا نشفق على الترف يتماثل في جسد
محجوب شريف، كيف لا تستغيث الأرض وهي تحملك اليها منذ اليوم وإلى الأبد؟ ايها
الجنين العظيم، ايها المانح، ايها الأم الكبرى، يا إسعاد ينهمر منذ الآن في ضمير
المشي.
(6)
أَقْطَعُ جَسَدَ
الطَّرِيْقِ بِجَسَدٍ أَضَلَّ.
النَّبْضُ المَسْفُوحُ
عَلَى دَرَجِ القُبْلَة.
بَرْقُ الانْسِلاخِ
عَنِ القُبْلَة.
(7)
مَرْسُومُ الخَدِّ
دَمْعَةٌ بَصَرِيَّةٌ تَمْخُرُ العَالَمَ وأَكْثَر.
(8)
حَتَّى دَمَ القُوَّةِ
مَشْرُوحٌ في الضَّعْف
حَتَّى عَيْنِي عَلَيْكَ
لا تَرَانِي.
(9)
فِي كُلِّ صُدْفَةٍ
لا تَحْدُثُ يُشْرِقُ تَحَوُّلٌ
جَوْعَى عُضَالِيُّونَ
عَيْنٌ تَسِيرُ قَلْبٌ
يَرْكُض
وبِسُرْعَةٍ وفي بُطْءٍ
نَصِلُ مِنْهَا إلى الغَرَق.
(10)
لَيْلَةَ يَطْعَنُ
قَلْبِي في السِّنّ
لَيْلَةَ يَتَسَلَّقُ
طِلَابَاً وَقُوْرَاً
لِلْأَلَم
تَجْمَعُنِي بِهِ نَظْرَةٌ
وخَوْفُ الهَاوِيَةِ
مِمَّا لا يَهْوِي ولا يَذَر.
(11)
كُلَّمَا يَقَعُ
المَقْدُورُ فِي فِتْنَةِ اللَّحْظَةِ
وتَقَعُ اللَّحْظَةُ
في بَسَالَةِ اليَأْسِ
يَبْدَأُ المُسْتَقْبَل.
ـــ
*مقتطفات من (جملة
الطير في صدر الشارح المستريب)
ــــــ
عتبة
(مقالات)
الخرطوم عاصمة تحكُمها النِّساء
راشد مصطفى بخيت
مكان واحد وأزمنة عديدة:
سائق عربة "الأمجاد" الفطِن انتبه لملاحظة سديدة أثناء زحام
منتصف الظهيرة الغائظ، كان متأهباً لبداية جولة طويلة من "الونس" وهو
يقطع المسافة من أقصى شمال المدينة إلى أقصى جنوبها. أكّد أنه يعمل يومياً في نقل
وملاحظة المارة والشوارع، وبالأحرى هو الأقدر إذن – كما يقول، على الانتباه لمثل
تلك الملاحظة الذكيَّة في تقديري. قالها بكل عفويَّة وتأكُّد وسخاء من لا يخشى
الخطأ، قالها وكأنه يدخل رأسي ثُمَّ يخرج منه لينبهني إلى ما كان قد جال بخاطري
قبل برهة من الزمن: "الخرطوم عاصمة تحكمها النساء"؛ ثمَّ ألحق قوله
بعشرات الحجج المرئيَّة التي تعضِّد هذا القول وقليل من الأرقام التي أصبحت في
متناول الجميع منذ سنوات قليلة. لم يَدُر في خلد السائق ربَّما؛ أنَّ مقولته هذه
مدوَّنة في سجلات التاريخ القديم ضمن مسرى آلاف السنوات التي لا تزال ظلالها
مخيَّمة على مشهد الوجود اليومي لهذه البلاد الكبيرة بطرق مختلفة.
مشاهد يوميَّة بعيون سائق:
تتميَّز الخرطوم المعاصرة – خلافاً لتلك المدينة القديمة - بسيطرة مشهد
النساء على كل عين طوال ساعات اليوم الذي يبدأ بِهنَّ أولاً كبائعات للشاي مع
بداية طلوع الفجر. يتكدَّسن على أرصفة الطرقات ومواقف المواصلات العامة ومحطاتها
الرئيسيَّة وفي موانئ السفر وأمام مؤسسات الدولة التي تحفل بأعداد كبيرة من
العمال. يفعلن هذا بأعدادٍ أقلَّ في صباح اليوم بينما يتأهبن مساءً للسيطرة على كل
متنزهات المدينة بعد سيطرتهن الهندسيَّة على واحدة من أطول الواجهات النيليَّة في
المدن الإفريقية كافة وهي "شارع النيل".
ليست التواريخ البعيدة وحدها التي تُعضِّد مزاعم سائقنا الونَّاس، فبعد
آلاف السنوات التي شهدها التاريخ قبل الميلادي من حُكم المرأة في "الحضارة
المرويَّة" ضمن بلاد "كوش"، يشهد التاريخ الوسيط أيضاً دلائل عديدة
تؤكِّد أوضاعاً متقدِّمة للمرأة السودانيَّة في مناحٍ مختلفة في الحياة؛ حيث حكمت
النساء بلاد النوبة القديمة ورقدن عظيمات الدفن على أهرامها، يُنسبُ إليهنَّ
أبنائهن بالاسم كما تدلُّ على ذلك شواهد القبور كعلامة باقية من تاريخ ممحو من
ذاكرة هذه البلاد المصابة بسوء طالع فريد ويكاد يكون منعدم الشبيه.
في تاريخ لاحق لذاك الزمان الممحو ومعاصر لتاريخ الدَّولة العباسيَّة
الوسيط، يقول ملك دنقلا المسيحيَّة (جورج بن الملك زكريا) إلى خليفة الدولة العباسيَّة
المعتصم بالله - الإبن الثامن للخليفة هارون الرشيد المدفون بقصر
"الجوسق" بالعراق - أثناء مقابلته له بغداد لمناقشة أمر الجزية المفروضة
على بلاد النوبة من دولة الخلافة، يقول الملك مخاطباً الخليفة المعتصم: "إنَّ
أمرنا بأيدي نسائنا" وتلك عبارة جامعة لمعنى الأمر في بلاد النوبة الوسطى
أثناء عهد وراثة الحكم أبوياً كما يخبرنا بذلك المؤرخ المصري (تقي الدين المقريزي)
(1364 – 1442).
نساء ونساء: وجه واحد وأرقام جديدة:
يسأل سائق الأمجاد بحذر بائن مردَّه خشية أن يُساء فهمه فيما ينوي قوله بعد
تقدمة قصيرة، إنَّه نوع الحذر الذي أشاعته موجات متلاحقة للجدال النسوي المتعنِّت
حول حق العمل: هل تلاحظ أنَّ النساء يحتللن الأسواق الكبرى صباح مساء؟ هل تلاحظ
أنَّهن أصبحن أكثر عدداً في مرافق الخدمة المدنيَّة العامة والخاصة على حدٍ سواء؟
لم أتردَّد في الإجابة بنعم محاولاً طمأنة ذلك الخوف الذي تبدَّى من إساءة الفهم.
قُلت وفي نيَّتي التقدُّم لما هو أبعد من التردُّد لكشف بعض مناطق العمى في رأي
السائق حسبما كنتُ أتوقعها: نعم صحيح ما ترمي إليه بهذا القول وهنالك ما يُعضِّده
أيضاً في سجلات حديثة. قُلت ممازحاً الرجل بحكم أننا من النوع نفسه: هل تظن من
الحكمة أن يطالب إنسان ما بحقَّه في العمل؟ إنه من الحقوق التي يحلو لي التنازل
عنها لو كان الأمر بيدي ووافقني الرجُل.
تبلغ نسبة الإناث في مرحلة تعليم الأساس مثلاً 88% بحسب إحصاءات الجهاز
المركزي للإحصاء بين العامين 1998 و2008، وتبلغ نسبتهن في التعليم العالي 68% في
مقابل 32% وُهنَّ بين الخريجات يُمثلن نسبة 58 أيضاً؛ ومع ذلك يمثلن أيضاً النسبة
الأكبر في القطاع الهامشي بلغت في أعوام قريبة نسبة 85%!
من جهة أخرى تشير هذه الإحصاءات نفسها إلى مناطق عمى لا تكفي الملاحظة
العينيَّة وحدها لاكتشافها حتى وإن كانت معضَّدة بأرقام ونسب رسميَّة وما إلى غير
ذلك مما ذهبنا إليه أنا ومحدِّثي. من هذه المناطق مثلاً أن 20 بالمائة من نسبة
طالبات الأساس لا يبلغن مرحلة التعليم العالي بحسب النسب الموضَّحة أعلاه. يظهر
هذا الأمر كحالة إعاقة تنتجها أسباب عديدة ليست أكاديميَّة غالباً ومرتبطة
بالأحوال الاقتصاديَّة والثقافة وظروف الحرب الأهليَّة المنتشرة في أقاليم كثيرة،
ومع ذلك تظل النسبة أكبر بين النساء.
عصر نسائي وبلاد رجاليَّة:
على الرغم من سيطرة مشهد النساء على هذه المدينة فإنَّ ليس مصنفاً ضمن مصاف
الدول التي يزيد فيها عدد النساء عن الرجال كما في بلدان تونس، المغرب، السنغال،
غانا، وبنين بحسب بيانات جمعتها الأمم المتَّحدة في العام 2015. ويمكننا أن نقارن
هذه النسب العالية في مجالي التعليم والخدمة المدنيَّة بنسب آخرى متصلة بحالات
الوفاة عند الولادة لنتبيَّن أوضاعاً تتناقض بشدَّة مع هذه النسب الدالة على نقلة
كميَّة كبيرة في مجال التعليم، وتظهر كمنطقة عمى أُخرى علينا اكتناهها ومحاولة
الكشف عن حالة التناقض البائنة في الملاحظتين. هنا يمكننا القول أنه وعلى الرغم من
صدق مقولة سائقنا السخي "الخرطوم يحكُمنها النساء"، إلا أنَّها ليست
كافية كذلك للحديث عن أوضاع منصفة للنساء في هذه المدينة التي لم تعُد تنصف أحد.
تُلقي الأعداد المتزايدة من المهاجرين الذكور في السنوات الأخيرة أعباء
متزايدة على كاهل النساء، كما تُلقي "قوانين النظام العام" أعباء أشدُّ
منها تُعرِّض خصوصيَّتهن لأوضاع جائرة وبأشكال مختلفة في ميادين العمل وفي الحياة
العامة أيضاً. حيث أكَّد جهاز شؤون المغتربين السودانيين بفخر أنه يُصدِر ما يقارب
5000 تأشيرة خروج يومياً بعد بداية تفاقم الضائقة المعيشيَّة في السودان جرَّاء
انفصال جنوبه عن شماله العام 2011.
الخرطوم عاصمة يحكمنها النساء إذن، وهو حكمٌ جرى تأكيده بالمعنيين الوارد
ذكرهما مع جولة سائق في منتصف الظهيرة وقبل بلوغ عربة الأمجاد نقطة وصولها
الأخيرة: المعنى الأوَّل تاريخي ومباشر أكَّد على مكانة مائزة للنساء في تاريخ
المكان السوداني، والمعنى الثاني الذي قال به الملك زكريا وهو يُمثِّل لحظة انتزاع
لقب الحاكميَّة من نساء مملكته ويورِّثه للإبن جورج، لكنه مع ذلك يعترف بحاكميَّة
من نوع آخر جعلت "أمورهم" بأيدي نسائهم أو كما قال؛ ويا لها من أمور.
ــــــ
نافذة
(عرض كتب)
فيلسوفٌ قلبُه
حَجَرُ
عن كتاب (تجليات
ناقد الحداثة: معاوية نور)
عرض: حاتم الكناني
تكمن أهمية كتاب
تجليات ناقد الحداثة: معاوية نور، للكاتب والأستاذ الجامعي، أحمد محمد البدوي، في
كونه بحثاً استقصائياًً عن حياة الأديب السوداني معاوية محمد نور، المولود بحي
الموردة في أم درمان في 1909م والمتوفى فيها في العام 1940م. ويعتمد د.البدوي على
مصادر متعددة أهمها ما كتبه أستاذ معاوية في كلية غردون إدوارد عطية، وصديقه
وزميله محمد عشري الصديق، بالإضافة إلى الوثائق المصرية عن الطلاب السودانيين
وأعداد مجلة الجهاد المصرية، فضلاً عن اطلاع الكاتب بنفسه على مقالات نشرت لمعاوية
محمد نور في صحيفة Egyptian mail
الإنجليزية التي كانت تصدر بمصر. كما يتعرض د.البدوي إلى صلات
معاوية بالأجواء الأدبية الأوروبية والمصرية، ويقيم مقاربات بينه والعقاد
والتيجاني يوسف بشير والطيب صالح.
مرآة
يذكر البدوي أن
إدوارد عطية حين عجم عود معاوية وجد معرفة عميقة يكمن وراءها عقل ناقد ومتين، وأن
ما وطد العلاقة بين الطالب وأستاذه هو وحدة المنزع الثقافي والإقبال على الأدب
الإنجليزي خاصة، ويدخل في ذلك أن أحدهما شاميٌّ وجد نفسه في السودان والآخر
سوداني.
ويرى إدوارد عطية في
معاوية نفسه حين يقول: "معاوية فتى عربي من شمال إفريقيا، وجد موطنه الروحي
في الأدب الإنجليزي وهو لم يغادر السودان قط، حالته مماثلة لحالتي ولكنها تبدو
خارقة للمألوف وأكثر تطرفاً، بين موطنه الروحي وترابه الأصيل بين بلده وعائلته
والتقاليد التي ينتمي إليها وبين العالم الخفي والنائي بكل ما في العواطف الجديدة
من شغف وإلفة حميمة".
خروج
ويضع مؤلف الكتاب
روايتين لخروج معاوية نور الأول إلى مصر، تحت مبضع بحثه، إحداهما لإدوارد عطية،
الذي يروي أن معاوية ترك دراسة الطب بمدرسة كتشنر الطبية – وهو ما رغبته أسرته
والإدارة البريطانية على حدٍّ سواء – فاراً إلى مصر، ويذكر أن خاله ذهب لمقابلة
مدير التعليم مستنكراً حماقة ابن أخته الجاحدة، والتزم بالذهاب إلى القاهرة
وإعادته، وهذا ما كان له بعد استعانته بوزارة الداخلية المصرية، وجرى اعتقال
معاوية وسُلِّم لخاله الذي ساقه بالقطار عائداً به للخرطوم.
أما الرواية
الثانية فهي لصديق معاوية، محمد عشري الصديق، فيذكر أنه عندما هرب إلى مصر ألقت
الإدارة البريطانية المسؤولية على عاتق وليِّ أمر الطالب، فأجبرت خاله الحاج خالد
محمد عثمان على أن يعيده من مصر. ويقول البدوي: "الفرق بين الروايتين يتبدَّى
في أن خال معاوية لم يذهب إلى مصر من تلقاء نفسه – برواية عشري – وإنما بحض من
الحكومة وتدبير مدروس من قبلها، خاصة أن عطية أثبت أن مصر مصنفة في رأس قائمة
المحظورات، وأن الريبة من جانبها تعلق بمن يهاجر إلى مصر. ويقول البدوي إن رواية
إدوارد لا تخلو من التعبير عن الموقف الرسمي للحكومة، في حين تبدو الرواية الثانية
متحركة في مدى من الحرية.
عاد معاوية إلى
الخرطوم، ولكنه لم يرضخ لرغبة أسرته بالمواصلة في كلية كتشنر، خاصة أن مدير
التعليم احتفظ له بفرصته فيها بعد أن وعد خاله بذلك؛ لكنه – أي معاوية – كان يتطلع
للدراسة في الجامعة الأمريكية ببيروت وهو ما ساندته فيه والدته التي ورثت نصيباً
من والدها محمد عثمان الحاج خالد عامل المهدية وسفير حكومة المهدية لدى إمبراطور
إثيوبيا، والذي عاد بكنوز من الذهب كان لها نصيب كبير منها، ما كفل لمعاوية الدراسة
على نفقة والدته مُقبلاً على القراءة في مجال الآداب والثقافة. وإبان دراسته
ببيروت نشر معاوية مقالات رصينة في مجلات القاهرة وصحفها، مُنْتقلاً بعد حصوله على
درجة البكلاريوس إلى القاهرة متفرغاً للكتابة، يحصل على قوته من كتابته في صحيفتي
الجهاد والسياسة ومجلتي المُقتطف والهلال.
وإزاء إلحاح الأسرة
استجاب بمعاوية لدواعي العودة للسودان، ولكن في مقابل رفضه مواصلة تعليمه في مدرسة
كتشنر، تماطلت الإدارة البريطانية في السوادن في تعيينه، رغم إجرائها معاينة معه
يذكر تفاصيلها المؤلف بإسهاب من وثائق ترجمتها صحيفة مصرية. رفضت الإدارة
البريطانية تعيين معاوية، خاصة أن مثله لا يخدم الإدارة البريطانية التي تريد مجرد
موظفين مساعدين لها في إدارة البلاد، وذلك على الرغم من وجود متعاطفين مع حالته.
فعمل معاوية بالغرفة التجارية بوساطة من صديقه إدوارد عطية، لكنه سرعان ما أدرك
أنه بعمله هذا قد وقع في الفخ الاستعماري، فطفق عائداً إلى مصر. وكان قد أصيب بمرض
البواسير ولم يتعالج منه بعد العملية التي أجراها في الخرطوم. وفي مصر ساءت حالته
بينما توفيت والدته في السودان، وعن ذلك يروي محمد عشري الصديق: "بينما كان
معاوية في مصر أرسلت أمه في طلبي، وعندما جلست إليها قالت لي بالحرف الواحد: يا
عبد الله معاوية فيلسوف قلبه من حجر، فحاولت التخفيف عنها واعتذرت لمعاوية، لكن
وافتها المنية بعد أيام فقط من مقابلتي لها".
نقل معاوية إلى
مستشفى الأمراض العقلية بالخانكة بعد اشتباكه مع شرطي، ليرسل العقاد احتجاجاً شديد
اللهجة للحكومة المصرية التي أخلت سبيله، ومن ثم قَدِمَ شرحبيل أخو معاوية ليتنقل
به إلى أم درمان ويتم علاجه بواسطة معالج شعبي هو "مرفعين الفقرا".
يذكر إدوارد عطية
كيف وجد معاوية في مرضه الأخير، وهو يرتدي الجلباب السوادني ويحمل المصحف في جيبه،
وقد أبان له معاوية أنه يستمد من القرآن طمأنينة عظيمة.
رحل معاوية في 1940
وبكاه العقاد:
تبينت فيه الخلد
يوم رأيته وما بان لي أن المنية آتية
وأن اسمه الموعود
في كل مقول سيسمعه الناعون من فم ناعية
إذا قصرت أيام من
نرتجيهم فيا طول حزن النفس والنفس راجية.
أفق
يذكر د.البدوي أن
معاوية هو من أوائل من انتبهوا إلى تأثير فن القصة والرواية، وكان من أكبر همومه
الانتصار لمشروعين: الاعتراف بالقصة والرواية بوصفهما فرعين من شجرة الأدب وُلِدَا
حديثين نتيجة للاتصال بأوروبا.
ثم إنه ينقد رواية
زينب لمحمد حسين هيكل والقصص القصيرة لدى طاهر لاشين وقصص محمود تيمور.
كما يذكر المؤلف
اتصاله بالكاتب جوليان هكسلي شقيق ألدوس هكسلي، وتبادله الرسائل معه، وكذلك قابل
كاتب السير أندريه موروا والمهاتما غاندي حين عبر بمصر؛ كما إن طبيعة الدراسة
بنظام الجامعة الأمريكية أكسبته معاصرة للأدب في زمانه فتعرَّف على قصص تشيخوف
وفيرجينيا وولف.
يقول البدوي:
"إنه يمثل الحداثة الأدبية بأزهى ما في بؤبؤ عينها في رصيدها العالمي الراقي،
قرأ كونراد وخبره وتذوقه وهو أول من أشار إليه في نص مكتوب بالعربية"، ويورد
أيضاً: "يجزم محمد عبد الحي بأن إشارة معاوية لإليوت هي أول إشارة له وأول
ذكر لاسمه في اللغة العربية".
وعلى الصعيد الفكري
يقول معاوية عن نفسه: "لا أؤمن بمذهب فلسفي.. إنما تنال المذاهب عندي حظوة
وقبولاً وارتياحاً، وإن كان ذلك لا يُعميني عن ضيقها وحدودها. أرتاح لفلسفة وليم
جيمس وأعرف مكمن ضيقها، وأجد متاعاً وفيضاً في فلسفة برجسون ولكنني لا أومن بها
طوال الوقت، وأقبل كثيراً على فلسفة التطور، ولكنني لا أقبل تفسيرها لنشوء الحياة
والأحياء".
ويتحسر أحمد البدوي
في مؤلفه لأنه لم يجد إشارة واحدة لمعاوية في كتابة التيجاني يوسف بشير أو إشارة
للتيجاني في مقالات معاوية على الرغم من أنهما عاشا عصراً واحداً، كما كانا – بحسب
رأيه – متقاربين من ناحية مفاهيمية في إشارة لاستخدامهما ذات المفردات.
يقول البدوي مشيراً
إلى استباق وعي معاوية: "هذا أفق ناقد أدبي في عالم ما قبل الحرب العالمية
الثانية، كان على وعي مستنير بظاهرة الاستعمار والصراع الحضاري والضمير
الإنساني".
استدراك
ضم الكتاب ملحقاً
به نص مترجم لمعاوية نور عن آثار ماثيو آرنولد النقدية، بالإضافة إلى مقال ينعى
فيه الكاتب محمد أمين حسونة، معاوية؛ كما احتوى على ملحق لوثائق الاستعمار
البريطاني عن الطلاب السودانيين الذين يدرسون خارج السودان، ونموذجين من خط معاوية
نور بالإنجليزية والعربية.
صدر الكتاب عن دار
كمبردج للنشر في العام 2012م في 191 صفحة من القطع المتوسط.
رَسَمَ صورة الغلاف
الفنان السوداني: معتز بدوي.
:::
باب
(ترجمات سودانيّة)
إعداد: محمد بابكر
bab.mmer@gmail.com
أولئك الذين لا
يحسون بهذا الحب
مولانا جلال الدين
الرومي
ترجمة: سماح جعفر
أولئك الذين لا
يحسون بهذا الحب
أولئك الذين لا
يحسون بهذا الحب
يجرفهم مثل نهر،
أولئك الذين لا
يشربون الفجر
مثل كوب من مياه
الربيع
أو يتناولون الغروب
مثل العشاء،
أولئك الذين لا يريدون
التغيير،
دعهم ينامون.
هذا الحب يتجاوز
دراسة اللاهوت،
ذلك الخداع والنفاق
القديم.
إذا كنتَ ترغب في
تحسين عقلك بهذه الطريقة،
نَمْ.
لقد تخليت عن ذهني.
لقد مزقت القماش
إلى قطعٍِ صغيرة
وألقيتُ به بعيداً.
إذا لم تكن عاريًا
تماماً،
لفّ رداءك الجميل
من الكلمات
حولك،
ونَمْ.
تعال، تعال، كائناً
من كنت
متسائل، متعبد، محب
للمغادرة.
لا يهم.
نحن لسنا قافلة من
اليأس.
تعال، حتى لو كسرت
نذرك.
ألف مرة
تعال، مرة أخرى،
تعال، تعال.
أه أيها الذاهب إلى
الحج
أه أيها الذاهب إلى
الحج -
أين أنت أين، أه
أين؟
هنا، هنا الحبيب!
أه تعال الآن،
تعال، أه تعال!
صديقك، هو جارك،
الذي بجوار حائطك -
تهيم في الصحراء -
أيُّ هواءِ حبٍّ هو
هذا؟
إذا كنتَ ترى
الحبيب
يتشكَّلُ دون أيّ
شكل -
أنت المنزل، السيد،
أنت الكعبة،
أنت! . . .
ستكون هناك حفنة من
الورود،
لو كنتَ الحديقة؟
ويكون جوهر روح
المرء اللؤلئي
حين تكون بحر الله
هذا صحيح - وبعد،
قد تتحول مشاكلك
إلى كنوزٍ غنية -
كم هو محزن أن تحجب
الكنز الذي هو لك!
أه أيها الحبيب
أه يالحبيب
خذني.
حرر روحي.
املأني بحبك
وحررني من العالمين
وإذا أسلمتُ قلبي
لأي شيء سواك
دعِ النارَ تحرقني
من الداخل.
أه يالحبيب
خذ ما أريده
خذ ما أعرفه
خذ ما أحتاجه
خذ كل شيء
يأخذني منك.
ـــــــــ
نُشر بصحيفة
السوداني – الجمعة 23 سبتمبر 2016م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق